صناعة الأسلحة والحروب العراقية والإيرانية

حكي أن..العراق استقدم المهندس الكندي جيرالد بول في مطلع الحرب العراقية-الإيرانية لصناعة أضخم مدفع في العالم..خبير المدفعية الكندي الذي عمل لصالح حكومتي واشنطن واوتاو خلال الستينات والسبعينات قدم إلي بغداد لتطوير سلاح المدفعية..نجح في تطوير 30 مدفع هاوزر قبل أن يبدأ في مشروعه السري ‘‘بابل‘‘ لتطوير مدفع يبلغ طوله 175 متر، يستطيع إطلاق مقذوف زنة نصف طن لمدي يبلغ 1000 كم، أو يقذف بآخر وزنه ألفي كجم إلي مدار حول الأرض..أمدت حكومة بغداد المهندس بما يحتاج من معدات لازمة لإنجاز المشروع من شركة بريطانية تُدعي ماتريكس تشرشل، قبل أن تفطن المخابرات البريطانية لتمنع تصدير باقي الأجزاء اللازمة للانتهاء من المراحل الثماني المتبقية..في أثناء رحلته من كندا إلي العراق لمتابعة عمله توقف جيرالد بول في بروكسل حيث مقر شركته المعنية بأبحاث الفضاء، وهناك أمام باب منزله تلقي 5 رصاصات في العنق والظهر أودت بحياته..13 عام مرت من ذلك الحين قبل أن تكشف الصحيفة البلجيكية La Dernière Heure في أول فبراير 2003 عن ضلوع الموساد في عملية الاغتيال.

كم مرة تدخلت إسرائيل بقصف مشروع نووي وليد هنا، اغتيال عالم عربي هناك، أو أجنبي متعاقد مع حكومة عربية لتطوير برنامج تسليح هنالك، أو في الحد الأدني أبدت قلقًا من مشرع دفاعي عربي..كثير بالتأكيد..لكن ليس من بينها علي الإطلاق حالة تتعلق بالسعودية التي لا تقيم أية علاقات رسمية بتل أبيب..كان كافيًا لإسرائيل في عام 1978 أن تحصل علي 800 مليون $ هبات من الخزانة الأميركية مقابل السماح للسعودية بامتلاك منظومة F-15..هنري كيسنجر المعروف علي الدوام بمواقفه المنحازة لإسرائيل في الحرب والتسوية لعب هو الآخر دورًا في تمرير رسالة طمأنينة لتل أبيب عند حيازة الرياض منظومة الأواكس..لا حاجة للعالم أن يقلق من أية تهديد سعودي..المملكة سترحب بوضع منظومتها للإنذار المبكر تحت إشراف أميركي..لن تعترض أيضًا إذا ما طالبها الإنجليز بتدمير جزء من ترسانتها..كان ذلك عندما باعت لندن بموجب صفقة اليمامة منظومة أسلحة لتدمير المطارات تٌعرف ب JP233 إلي الرياض، التي سمحت للإنجليز باسترداد المنظومة المتطورة وتدميرها مقابل تعويض السعودية بقنايل ذكية تبلغ قيمتها 17 مليون سترليني، لأن الحكومة البريطانية اكتشفت ان تلك المنظومة تُعارض اتفاقية أوتاوا الخاصة بالأسلحة الانشطارية.

لاحاجة للقلق من آل سعود..وبالتأكيد ليس علي إسرائيل أن تقلق..وهل قدم السعوديون للقضية الفلسطينية بعد عام 1948 من دعم أكثر من ذاك الذي جري في مؤتمر مدريد حينما اعترض الوفد الإسرائيلي علي ارتداء الفلسطينيون الكوفية التقليدية، فتدخل ممثل السعودية وسفيرها في واشنطن آنذاك لدي المبعوث الأمريكي جيمس بيكر للقول بأنه علي استعداد لإقناع الفلسطينين بالتخلي عن كوفياتهم إذا ما تخلي شامير عن القلنسوة وسيتخلي هو عن الغترة..فكان الانتصار السعودي للقضية الفلسطينية..ومرحبًا بها انتصارات لدي تل أبيب..حتي الأخيرة التي قد تقلق من حيازة دولة عربية غواصة من طراز متأخر بأشواط عما تمتلكه البحرية الإسرائيلية.وقفت تشاهد السعوديون وهم يبتاعون منتصف الثمانينات منظومة الصواريخ الصينية CSS-2 المجهزة لإطلاق رؤوس نووية علي مدي 1600 ميل بعدم اكتراث..فقط تهديد من شامير إلي ريجان بأن تل أبيب لن تنتظر حتي تتم مهاجمتها، فأبلغ الرئيس الأميركي الملك فهد الذي ارتعب وأرسل بالمقابل رسالة لتل أبيب بأنها ليست المقصودة بصواريخ تم تعديلها لتصبح تقليدية، وردت تل أبيب - بعد استنفاذ وسائل الضغط التقليدية ببيان الكونجرس المدين لحيازة الرياض صواريخ صينية، وسخرية ريتشارد أرميتاج من الملك فهد بأنه جعل بلده الأغنية الأولي علي قائمة الأغاني الشعبية الإسرائيلية المفضلة - ردت بأن أرسلت طائرتها للتحليق فوق العقبة بعد إسقاط برميل وقود فارغ مكتوب عليه بالعبرية إمعانًا في رسالة السخرية..

بالطبع لم يأخذ أحدًا التهديد السعودي علي محمل الجد، والملك عبر وسطائه يبعث لواشنطن بتجهيز سلاح الجو السعودي للاشتباك في شمال المملكة إذا ما فُرض عليها القتال، بالظبط كما لم يأخذ هنري كيسنجر الحديث السعودي بعد سنوات من انتهاء حرب أكتوبر علي محمل الجد، عندما أُبلغ أن الرياض جهزت 10 مقاتلات من طرازF5 لعملية انتحارية بقصف صهاريج الوقود العملاقة في إيلات الإسرائيلية، لكنها، السلطة السياسية، لغت العملية في الثانية الأخيرة بعيد التوصل لوقف إطلاق نار..وأجاب فقط بانتفاء علمه بنية المملكة التورط في الحرب..مئات مليارات الدولارات أنفقتها الرياض علي أحدث منظومات التسليح ولم تبد تل أبيب إنزعاجها، وكيف تفعل والسعودية تعجز عن تأمين حدودها من التهديد العراقي فتلجأ لاستقدام مئات ألوف الجنود الأميركيين، وتوفر لراحتهم مليارات الدولارات طعام ومسكن وترفيه..حتي إنها تحت وطاة الاحتياج تقبل بممارسة المسيحين واليهود من الجنود الأميركين لشعائرهم وهي التي لطالما صدرت عبر أشد دعاتها غلظة أطنان من شرائط الكاسيت التي تحفل بالدعاء علي ‘‘الكفار‘‘ بالخراب والهلاك حتي باتت النسخة الوهابية المنحطة من دعاوي اليتم والفقد مرددة في كل منابر المسلمين..صحيح طلب السعوديون من باول اكتفاء الجنود بارتداء الصلبان تحت قمصانهم، وصحيح طلب السفير من الأمريكان أن يصلي اليهود فوق إحدي حاملات الطائرات، لكن باول تجاهل التعليمات السعودية طالما مارس جنوده شعائرهم بأعلي درجات الكتمان علي أرض الحرمين.

الكتمان..لا تقل..لا تصرح..لم يحدث إذن شيء..استراتيجية ناجحة تتبعها السعودية وحلفاءها للتغطية علي كل ما قد يؤدي ذيوعه للإضرار بسمعة المملكة محليًا..لكن أحيانًا تتسرب الأخبار ربما بقصد..كتلك المنتشرة قبل يومين عن زيارة بن سلمان سرًا إلي تل أبيب، بينما تنفيها المصادر المقربة من الرياض بصورة قاطعة..ولا أعتقد بحال أننا سنضطر للانتظار 35 سنة إضافية لتبيان حجم التقارب السعودي-الإسرائيلي كما جري عندما تدخلت البحرية السعودية عام 1981 لإنقاذ سفينة حربية إسرائيلية ضلت طريقها من حيفا إلي إيلات لترسو علي شواطئ المملكة ‘‘المعادية لإسرائيل‘‘، فتدخلت القوات الخاصة السعودية بوساطة أميركية لإصلاح العطل الفني فيما عُرف بعملية أولندي ماعوف التي كشفتها هآرتس قبل عام..سواء كان بن سلمان هو من زار تل أبيب أم غيره، الأكيد أن هناك ارتياحًا متبادل خلال السنوات الأربعين الأخيرة بين الرياض وتل أبيب، وتعاون أمني بزيارات بعض المسئولين العسكريين السابقين لتل أبيب، والأهم محطة استثائية بمثلث تشكل المملكة ضلعه الثالث لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة..السؤال عن التطبيع يبدو أنه تجاوز لاستفهام ليتعلق فقط بالوقت..متي ستواتي الفتي بن سلمان الجرأة علي جعل ظهر الطاولة كباطنها !

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.