أعمال شغب ستون وول

الصورة الأولى : أحداث "أعمال شغب ستون وول - Stonewall riots"
"ستون وول" هو في الأصل إسطبل للخيل تم تأسيسه بين العام ١٨٤٣ و ١٨٤٦ في جنوب منطقة مانهاتن بمدينة نيويورك الأمريكية و أصبح بعد كدا في العشرينات و بدايات الثلاثينات مكان سري لتناول الخمور خلال فترة حظر إستيرادها و بيعها و تصنيعها و تناولها بالولايات المتحدة الأمريكية أو الفترة إللي حملت أسم "Prohibition-era".
بعد إلغاء قوانين منع الخمور، أصبح المكان عبارة عن بار لبيع الخمور و تناولها و بعد كدا، في الستينات، أشتهر بكونه ملجأ للقاء الشواذ جنسياً إللي كان القانون الأمريكي بيمنع نشاطهم. حتى أن القسم رقم ٧٢٢ من قانون ولاية نيويورك في الجزء الثامن منه كان بينص حرفياً على تجريم "أي إلتماس بين الرجال بغرض إرتكاب جريمة مخالفة للطبيعة".
و إللي عايز يفهم ظروف الفترة دي لازم يكون مدرك للواقع السياسي بأمريكا خلال الفترة دي. في الستينات كانت الولايات المتحدة مشتعلة بأحداث تظاهرات و إعتراضات بسبب تورطها في حربها بڤيتنام و تزامن معاها في نفس الوقت إزدياد الإحتقان الشعبي من جانب الشباب تجاه القيادة السياسية إللي فشلت في كشف ملابسات مقتل كينيدي و إللي قدمت أدلة ضعيفة جداً لم تستطع بها إقناع الشعب بتورط أوزوولد وحده في عملية الإغتيال.
المهم أن كان في الفترة دي حالة من الإحتقان عند الشباب تولد عنها تظاهرات عنيفة و مطاردات و حملات قبض و سجن لشباب كثير للدرجة إللي كان فيها الشارع في واشنطن و نيويورك شبه مشغول يومياً بالتجمعات الشبابية.
من أقوى الأسلحة اللي كان بيتم إستخدامها وقتها لنشر الفكر الثوري تجاه الحكومة و الغضب تجاه سياساتها العامة بين الشباب كان سلاح الفن متمثل في الفرق الموسيقية و نشاط مسرح الشارع و الروايات و بالتالي ظهور موضات غريبة و أزياء مميزة و أسلوب حياة خاص مع إنتشار المخدرات بصورة غير طبيعية و غير مسبوقة و اصبحت العلاقات الجنسية أكثر إنفتاحاً بشكل غير معهود و ازداد نشاط المجموعات الحقوقية اللي بتطالب بحقوق المرأة و الفيمينيزم و حقوق الشواذ تزامناً مع التظاهرات المضادة لسياسات الدولة حتى أن الفترة دي إللي استمرت لنهايات السبعينيات بنفس الوتيرة و اختلفت وسائلها بعد دخول الثمانينات كانت تحمل أسم "الثورة الجنسية الأمريكية - American Sex Revolution".
المهم تعالوا نرجع لأحداث بار ستون وول و بالذات بتاريخ ٢٨ يوليو ١٩٦٩. في اليوم دا هجمت شرطة نيويورك على البار اللي كان ملاذ للشواذ جنسياً و لغيرهم من عموم الشباب. و برغم أن رواد البار كان أغلبهم مش شواذ إلا أنه كان شهرته أنه بيجمع الشواذ و بيديهم مساحة حرية. و لأن جو البار كان ثوري، فبالتالي طبيعي جداً أن تنشأ علاقات مترابطة في جو من التفاهم بين رواده من الشواذ و غيرهم. و كان طبيعي جداً برضة أن يكون رد فعل غير الشواذ تجاه الشرطة إللي بتمثل السلطة المكروهة هو الدفاع عن البار و عن الشواذ اللي الشرطة هجمت علشان تقبض عليهم بكونهم بيمارسوا نشاط مخالف للقانون.
اللي حصل خلال ال٦ ايام التاليين هو حرب شوارع بدأها مجموعات من آلاف الشواذ و مناصريهم من عموم الشباب الثائر تجاه الشرطة و عمليات تخريب و إفتعال حرائق و تكسير لمنشئات عامة و إصابات بالغة لدى الطرفين.
الأحداث دي كانت الشعلة إللي أطلقت بعد كدا ما تم تسميته ب"حركة تحرير الشواذ - Gay Liberation Movement". الحركة إللي على أثرها تأسست جمعيات و مؤسسات للدفاع عن حق الشواذ و اللي أخذت تنتشر و تتمدد خلال ٤٠ سنة أو بالضبط لغاية اللحظة التاريخية الثانية في نشاط حركات الشواذ جنسياً و هي لحظة الإستفتاء على حق الشواذ في الزواج اللي كانت على يد "أوباما" في ٢٠١٤ واللي كان نتيجته هو موافقة تقريباً ٥٧٪‏ من الأمريكان على السماح للشواذ بالزواج بالرغم من أن أكبر نتيجة خاصة بنسبة الشواذ في أمريكا لم تزيد عن ٩٪‏.
و النتيجة دي تؤكد مسألتين : أولاً قوة التأثير الثقافي و العاطفي و الفكري اللي قام بيه ناشطي المجتمع الشاذ في أمريكا و إللي كان تأثيره هو الضغط على الدوائر الصغيرة حول كل فرد منهم و حشد مجموعات من أصدقاء و أقارب و جيران و زملاء كلاً منهم ليُدلي برأيه بالموافقة على حق زواج الشواذ من بعض.
و ثانياً إحجام الفئات الكبيرة من المحافظين أو المعترضين عن المشاركة في عملية الإستفتاء لشعورهم باليأس من نجاحهم في تغيير الحالة دي اللي كان الديمقراطيين بيشجعوا على حدوثها.
المهم ان المسار اللي اتحرك فيه الشواذ عبر سنوات صراعهم مع الأنظمة المتلاحقة القائمة على حكم البلاد كان ماشي في إتجاه الضغط بقوة على دوائرهم الصغيرة إللي بالتالي هاتضغط على الأكبر منها و الأكبر فالأكبر لمساندتهم في الدفاع عن قضيتهم المخالفة لنواميس الطبيعة و مخالفة لجميع الشرائع و اللي لو لم ينجحوا في حشد المساندين و المدافعين فعلى أقل تقدير يجمعوا و يحشدوا المؤمنين بقيم الحرية و الحقوق إللي بترفع شعار الحيادية تجاه أصحاب السلوك دا حتى و إن كانوا نفسهم بيرفضوا تصرفاتهم.
دي قصة الصورة الأولى اللي فيها بداية التغيير في الشارع الأمريكي من خلال الشباب الثوري إللي نزل الشارع يدافع عن رمز ثورته و يهاجم المتسببين في غلق منافذ الحرية حتى و إن كانت الحرية دي منافية للفطرة و الطبيعة و الدين.
الصورة الثانية هي لحفل #مشروع_ليلى و حامد سنو على خشبة المسرح و تحته جماهير الشباب حاملين أنوار الحرية. الجمهور إللي الغالبية العظمى منه مش شواذ و يمكن بيقرفوا منهم كمان لكن للأسف الغالبية العظمى دي ماعندهاش مشكلة في تواجودها في حفلة لفرقة بتعتبر نفسها حاملة لواء الثورة الجنسية في العالم العربي.
الجمهور دا للأسف بيدعم أفكار الفريق الشاذة من غير ما ياخد باله و بيدعم انتشارهم و زيادة قوتهم و استمرارهم في احتضان القضايا الشاذة و نشرها علشان يكونوا نواة لثورة جنسية مشابهة للحراك الثوري الجنسي الأمريكي في الستينات و إللي انتهى بالسماح لهم دستورياً بالزواج رسمياً ... على الأقل حتى الأن.
.

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.