يوم الأحد سنعرف هوية مستشار ألمانيا لأربع سنوات مقبلة..

يوم الأحد سنعرف هوية مستشار ألمانيا لأربع سنوات مقبلة..المرشح الأكبر يبقي فراو ميركل..لا أعتقد أن هناك سياسي واحد في الكوكب مر بكل تلك الأزمات ونجا منها مثل الفراو..العالم يخذل اللاجئين السوريين، يتدفقوا في مغامرة تاريخية صوب أضعف نقطة في الحدود الأوروبية..اليونان..تفتح الأخيرة حدودها..يتسربوا سريعًا إلي باقي المحطات في البلقان..تستيقظ فراو ميركل ذات صباح علي عشرات ألوف السوريين في العراء..تصدر قرارها بفتح الحدود الألمانية أمام السوريين حصرًا..تترجم شبكات التهريب القرار بإسقاط بصمة دبلن كدعوة ألمانية لاستقطاب كل معدمي الكوكب..تنشط عبر الخط التركي بدعم كامل من أنقرة التي رأت فيها ورقة رابحة للتحلل من المسئولية الملقاة علي عاتقها، وكذا الضغط علي أوروبا..يتدفق في غضون 4 أشهر مليون و200 ألف لاجيء إلي ألمانيا..وتقف الفراو أمام هجوم ثلاثي الأبعاد.
الشركاء الأوروبيون تخاذلوا تمامًا..الاشتراكي الفاشل ساكن الإليزيه يملي علي بروكسل ما يجب فعله بينما هو يكتفي بحصار لاجئيه الذين لا تتجاوز أعدادهم بضع ألوف في كاليه، يمنعهم من فرنسا ومن الحلم علي طرف المانش المقابل..بريطانيا تتاجر بأزمة اللاجئين وتشعر كما لو أنها استقبلت مئات ألوف وهي مستثناة من كل وأي إجراءات لتوزيعهم، وبالطبع دول أوروبا الشرقية ترفض كلية استقبال مئات من الأسر السورية تحت شعار ‘‘المسيحية في خطر‘‘ قاد أوربان رئيس الوزراء المجري معركته في وجه ميركل وحشد الدعم اللازم في لحظة هشاشة أوروبية من دول مجموعة فيزجراد..ونجح..الرأي العام الألماني ضاعف الأزمة بتصعيد حزب البديل من أجل ألمانيا كقوة سياسية ثالثة في قفزة تاريخية لحزب نشأ في 2013 علي أنقاض الأزمة المالية العالمية..وأبي شريك ميركل في البيت المسيحي، هورست زيهوفر، إلا أن يضاعف الأزمة بتصريحات ناقدة.
ميركل تمتعت بهدوء أعصاب تاريخي..الكل يضغط عليها لإغلاق الحدود الألمانية في وجه اللاجئين..تختار البديل الأكثر كلفة من ناحية الوقت والشعبية..لماذا تخسر ألمانيا المكاسب المعنوية بإغلاق حدودها؟ بينما بإمكانها غلق حدود أوروبا بكاملها في وجه اللاجئين؟..مقاربة ميركل اعتمدت علي حل أوحد..رشوة مالية وسياسية للأتراك..مليارات الدولارات للإنفاق علي اللاجئين..صمت مطبق علي القمع الذي طال حقوقيين ومعارضين..ثم وعود باستئناف مفاوضات العضوية وفتح فصول جديدة..وذاتها ميركل التي وقفت في 2014 تتندر علي عضوية تركية هي من هرول لأنقرة في نوفمبر 2015 للحديث عن أفق مفتوحة..وبعد 6 أشهر من المفاوضات مع أنقرة..نجحت من قبل القنصلية التركية في بروكسل في إبرام الإتفاق العصب ف 16 مارس 2016..منع اللاجئين مقابل 6 مليار يورو وحرية دخول الأتراك للاتحاد الأوروبي، بشرط استيفاء 72 بند مبدئي يلتزم بهم كل من يطلب تحرير الفيزا..
نجح الاتفاق بشكل قياسي في الحد من تدفق اللاجئين..هدأت الأوضاع المحلية..هدوء ما قبل العاصفة..انفجرت أوروبا..المنجز الألماني-الفرنسي التعاوني الأعظم الذي كان بوابة لتجاوز 3 حروب دامية، ولاحتواء الميل الألماني الطبيعي نحو الزعامة الأوروبية بوسائل غير عسكرية..بريطانيا تنسحب ويوجه كل الشركاء الأوروبيين غضبهم نحو تسلط برلين علي مؤسسات صنع القرار في بروكسل، وخطط الإنقاذ المالي، ومن جديد مسألة اللاجئين، وتعريض الهوية الأوروبية للخطر، والهجمات التي ضربت العواصم الأوروبية..كل أزمة أوروبية وإن كانت شديدة الإغراق في محليتها، تجد الصحافة منفذًا لتحميل ميركل جانبًا من مسئولية وقوعها..العقلانية من جديد..تمسك بالاتفاق التركي، سعي لتجفيف باقي منابع الأزمة بغلق الممر الليبي، ثم خطاب قاس تجاه لندن، تحشد لدعمه شريك المركز الأوروبي، باريس..وتنجح، لعوامل أكبر من حسن إدارتها، في تجنب إنشقاق المقاربة الأوروبية نحو البريكزت..وللخوف من الروس الفضل الأكبر من توحيد المواقف الشرق أوروبية الرافضة لنهج ميركل في أزمة اللجوء..
تبقي فقط المأزق التركي..80 مليون تركي يتدفقوا لأوروبا بدون فيزا أمر مزعج لعواصم كثيرة أولها فيينا ولصقور البيت المسيحي في ميونخ..تتمسك ميركل بتلبية ال 72 شرط، وهو ما تم غض الطرف عنه كثيرًا في المسألة الجورجية، لكن هنا أنقرة بحساباتها المختلفة..شرط قوانين مكافحة الإرهاب أنذر بانهيار الاتفاق..فأتت محاولة الانقلاب التركي الفاشلة لتصرف الأتراك لشئونهم المحلية بدلًا من فتح جبهة مواجهة جديدة بإلغاء الاتفاق..وخرجت ميركل بكل شيء تقريبًا..منع اللاجئين، ولا امتيازات للمواطنين الأتراك، حتي مفاوضات العضوية جمدتها بروكسل عمليًا..سنة ونصف هبطت فيهم شعبية ميركل 12 نقطة..قبل أن تحقق عودة تاريخية بإسقاط الحزب الاشتراكي في معقله التاريخي، نوردهاين فيستفالن..فوز لو تنبأت بحدوثه في أول أزمة اللاجئين، لاتهمت فورًا بالجنون..وها هي تقف بعد عام من البريكزت في موقف أقوي تفرض فيه علي لندن فاتورة ب 100 مليار يورو للتخارج بعد أن استقرت الأوضاع في أمسترادم وباريس في غير صالح القوي المعادية لأوروبا..
ميركل تجاوزت سيل من الأزمات، كان أصغرها ليعصف بشعبية أعتي الحكام..جانب بالتأكيد لحسن إدارتها، وآخر لانعدام كفاءة منافسيها الاشتراكيين.. الخسارة الوحيدة التي ستسجل لميركل، أنه في عهدها صعد لأول مرة منذ اندحار النازي، حزب يميني متطرف كقوة سياسية ثالثة متجاوزًا الخضر والليبرالي الحر..حزب البديل مرشح يوم الأحد لدخول البوندستاج بعد تجاوز عتبة ال 5% لتفيق ألمانيا متأخرة علي تمثيل أقصي اليمين في العمل الفيدرالي..صحيح لا مقارنة بين الحالة الألمانية التي ما زالت في طور التشكل، ونظيراتها في السويد وهولندا وفرنسا..ولكنها تبقي ألمانيا بتجربتها التاريخية الأليمة..ميركل علي أعتاب ولاية رابعة، علي الأرجح بحكومة ائتلاف كبير، إن لم يكن للصناديق رأيًا مخالفًا لنتائج استطلاعات الرأي..وإن فعلت ستقف، إن صدقت الاستطلاعات كذلك، أمام خريطة سياسية جديدة تمامًا بتمثيل أقصي اليمين، وأزمات متوقعة بعدم قابلية معدلات البطالة المنخفضة للاستدامة..في كل الأحوال ننتظر يوم الأحد..وإلي حينه..ميركل بالنسبة لي..لم تكن يومًا قديسة..ولا حبشية تعطف علي مشردي الأرض..ميركل فقط سياسية بارعة..احسنت الإدارة أحيانًا كثيرًا بينما تكفل ضعف المنافسة والسياقات الدولية بالباقي غير اليسير أبدًا في شعبيتها !
بعيدًا عن التعقيب..في اللنك أدناه تقرير جيد من واشنطن بوست..لفهم مبدئي لما سيدور الأحد المقبل في برلين.

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.