حليمة يعقوب أول سيدة مسلمة تتولى رئاسة سنغافوة

عظيم..أول سيدة تتولي رئاسة سنغافورة..حليمة يعقوب المسلمة من عرقية الملايو..عظيم ليس فقط لأنها امرأة..سنغافورة تتكون من 3 مجموعات رئيسية..الصينيين يمثلوا 80%، الملايو المسلمين 14% ثم الباقي من الهنود..كل جماعة لها لغتها..الماندرانية للصينيين، والمالاوية لمسلمي الملايو، والتاميلية للهنود..لكن هناك مشكلة عرقية خصوصًا بين الصينيين والملايو..المسلمون كانوا خائفين من سيطرة شيوعية صينية علي الدولة الوليدة، بينما الصينيون كانوا منزعجين من نفوذ الأقلية المالاوية خصوصًا مع احتفاظها بالولاء لزعاماتها السياسية والدينية في الدولة الأم ماليزيا.
المسلمين الملايو كانوا عصب الشرطة والجيش السنغافوري..تاريخيًا هم من قبل الانضواء تحت لواء قوات المستعمرات البريطانية، بينما رفض الصينيون في معظمهم الخدمة العسكرية..ولما وقع استقلال سنغافورة تلاه بعد سنوات أمر جلل ألا وهو انسحاب القوات البريطانية التي كانت توفر الحماية لسنغافورة في محيط عدائي وتضمن أمنها الداخلي في وجه القلاقل العرقية، ناهينا طبعًا عن حقيقة مفادها أن سنغافورة الفقيرة كانت تعتمد في 20% من دخلها القومي علي إيجارات القواعد العسكرية البريطانية..أصبحت سنغافورة أمام حقيقة صعبة..ماليزيا من خلال الملايو تسيطر علي الأغلبية الصينية بحكم سيطرتهم علي القوات الأمنية.
عوارض المشكلة ظهرت سريعًا..في أول افتتاح للبرلمان السنغافوري سنة 1965..ذهب العميد سيد السقوف وكان قائد لواء ماليزي في الجيش السنغافوري إلي باني النهضة النسغافورية لي كوان وأصر علي مرافقته في حراسة بالدراجات النارية..المقصود لم يكن التأمين..استعراض نفوذ ماليزيا أمام الوفود الأجنبية الحاضرة..لي كوان -كما يروي- فضّل في الأخير الإذعان حيث رافقه جنود الجيش الماليزي من دار البلدية إلي مبني البرلمان..بعدها ذهب قائد صيني لمعسكر جيش وأمر بطرد كل الجنود الملاويين..صدامات بدأت بين الجنود الملايو المسلمين وغيرهم من الصينيين، قبل أن يتدخل لي كوان لتوضيح أن القائد الصيني تصرف بصورة خاطئة..وأن المقصود طرد غير السنغافوريين..أما الملايو المواطنين فلهم حق الخدمة في الجيش، واحتوي الأمر سريعًا قبل أن يمتد لصدامات واسعة.
لكن وقت الصدام حان..13 مايو 1969 اندلعت واحدة من أسوأ أعمال الشغب بين الملايو والصينيين في ماليزيا بعد الانتخابات..الوضع في ماليزيا معكوس عرقيًا حيث يتمتع الملايو بالأغلبية في التكوين الديموجرافي بينما تمتلك الأقلية الصينية السيطرة علي معظم الموارد الاقتصادية..نمي إلي مسامع صينيي سنغافورة ما تعرضت لهم أقليتهم في كوالالمبور، فبدأوا في توجيه الغضب للملايو..3 قتلي ومئات السيارات والمتاجر المحترقة..كان تلك أعنف وآخر صدامات عرقية في سنغافورة..بعدها أعادت سنغافورة بناء استراتيجية التكامل القومي..وهنا قصة محزنة للغاية..بعد الاستقلال بأيام أتي السفير الإسرائيلي في بانكوك موردخاي كيدرون إلي لي كوان يعرض عليه مساعدة تل أبيب في بناء القوات المسلحة للدولة الوليدة.
خشي لي كوان من أن يثير قبول المساعدة الإسرائيلية غضب المسلمين في وقت يحتاج فيه الهدوء لإستكمال بناء الإندماج القومي..آثر الانتظار لحين ورود الرد من دولتين طلب منهما مساعدة عاجلة لبناء الجيش السنغافوي..الأولي الهند التي رد رئيس وزراءها لال شاستري علي الطلب بتمني التوفيق لسنغافورة، والثانية كانت مصر التي رد رئيسها عبد الناصر بخطاب يعترف فيه باستقلال سنغافورة دون أن يجيب علي طلب لي كوان بحاجة سنغافورة مستشار بحري مصري لبناء قوة بحرية..عبد الناصر الذي وصفه لي كوان نصًا ب ‘‘الصديق المقرب لي‘‘ في ص 42 من مذكراته ‘‘قصة سنغافورة من العالم الثالث إلي العالم الأول‘‘، فصل: بناء جيش من لاشيء..عبد الناصر كان الشخص الذي ‘‘خيب أمله‘‘ أكثر من الهند التي كانت لها اعتبارات جيوستراتيجية في امتناعها..من بني الجيش السنغافوري؟..بالظبط..إسرائيل بقيادة العقيد جاك أليعازر.
المهم..الجيش كان نواة منذ عام 1969 لسياسات الإندماج..التوازن الديموجرافي بين الصينين والملايو تحديدًا..ثم مراعاة كافة الخصوصيات الدينية لكل المجنديين الإلزاميين.الأكل الحلال يُقدم للمسلمين والهندوس ولا ترقية إلا لعنصر الكفاءة..جانب آخر من بناء الهوية السنغافورية الجامعة كان التعليم..لم تقمع السلطة السياسية الخصوصيات الثقافية..ستبقي مدارس الصينيين والملايو والهنود كما كانت عليه منذ الاستعمار تعلم أبناء العرقيات الثلاث باللغات المحلية التي اعترف بها لغات رسمية لسنغافورة..مع البدء بتدريس اللغة الانجليزية للكافة لتكون لغة مشتركة في التواصل اليومي بين العرقيات ولغة للعمل والتجارة..قوبلت محاولات لي كوان بالرفض الشديد من الصينيين، لكن بمرور الوقت نجحت خطة الثنائية اللغوية..وطبعًا التوزيع العادل لمداخيل النهضة الإعجازية التي حققها لي كوان من الصفر علي أرض قاحلة حولها إلي مركز مالي عملاق هو الخامس حاليًا في العالم ب 500 مليار $ ناتج محلي إجمالي.
سنغافورة معجزة اقتصادية بالتأكيد..لكن جانب آخر من إعجازها هو النجاح في بناء استراتيجية ناجعة للتكامل القومي رغم توافر بيئة خصبة للقلاقل العرقية..التنمية، التعليم، احترام الهويات..حتي أصبحنا نشاهد سيدة مسلمة محجبة من أقلية عرقية ودينية في منصب الرئاسة بعد أن فعّلت الحكومة التي يسطير عليها الصينيون ما يُعرف ب hiatus-triggered model الذي يحجز الرئاسة لصالح العرق الذي لم يشغل المقعد خلال 6 مدد رئاسية متتالية أو 30 سنة..وكان الفائز الحتمي من المالاي.
بعيدًا عن التعقيب..حكاية السيدة يعقوب في اللنك أدناه من نيويورك تايمز..والأمنيات أن تتعلم دولنا وشعوبنا بناء الإندماج وإدارة التنوع والتعامل مع الأقليات !

ليست هناك تعليقات

يتم التشغيل بواسطة Blogger.